الحب أعمى واخرس واصم
Oct 6, 2021 06:03 AM Oct 6, 2021 06:03 AM
بقلم : عبدالله البنين عندما قيل إن الحب أعمى ، اعتقدت أن هناك حبا أصم ، وآخر أخرس أو ابكم . فذهبت أبحث عن الحب الاعمى علي أن أجده ، أو أجد أحدا من رفاقه ، أو من يدلني عليه ، فلم أجده ولم أجد أي من رفاقه ومن يدلني عليه . قلت في نفسي : اذا من قال أنه أعمى ؟ ولما وصف بهذا الوصف ؟! وزدت في تساؤلي ، وقد يعتقد أحد ما ، أنها حالة فراغ ، أو أنه فضول مفرط ! وعلى أية حال ، ما زلت أريد أن أعرف ، لماذا الحب أعمى ؟ عندما بحثت في كتب أدباءنا العرب وفلاسفتهم ، كالعقاد ، والمنفلوطي ، وشوقي ، وبن عبدربه ، وغيرهم ، لم أجد أحدا منهم من ذكر أن الحب الاعمى . خشيت أن ابحث في فلسفة أحد اثنين ، مصطفى محمود ، وفريدريك نيتشه ، فلا أجد ما أطلبه ، فالأول : يعرف الاشياء ثم بعد وقت من ذلك ، يعيد دراسته لها ثم ينقضها ، ولا أعلم حقيقة لماذا هو كذلك رغم علمه وفطنته ، والهامه القوي ، وبلاغته ودقة ملاحظته للأشياء ، وأما الثاني : فلديه فلسفه خاصة لتسميه بعض الاشياء ، فأفكاره جهنمية بالغة التعقيد ، وربما تصطدم مع رؤية مالا أعتقد اصلا ولن أتوصل معه الى رؤية واضحة لأي شيء من التعاريف ، وربما لأنه لا يحيد عن افكاره البتة ، ولا يقر بالأشياء الا بالتمحيص والتجربة ، و ليس لدي الوقت الطويل لقراءة كثير من تجاربه . ولا برؤية وتجارب كثير من الفلاسفة حول مسألة الحب الاعمى . رجعت ادراجي الى ادبنا العربي الرصين ، والى حياتنا العربية الاصيلة وتاريخنا العريق ، القريبة الى النفس . وظللت ابحث عن الحب الأعمى . وكيف اصبح أعمى ؟ فوجدت ان الحب عند أمري القيس مجون ، وعند قيس بن الملوح مجنون ، رغم أن قيسا لم يكن مجنون فقد الصقت به تهمة الجنون ، خيرا من تلصق تهمة الحب بابنة عمه ليلى ، فالحب عيب وعار . عند قيس بن ذريح الحب فاضح ، وعند عنترة بن شداد فخر وحماسة ، وعند يزيد بن معاوية ، سيطرة وخمر وليل ، وعند ادباء العصر الحديث كالقصيبي ملائكة ، وعند محمود درويش وطه حسين الحب وطن وكفاح والهام ونبوغ وقداسة ومجد وعزة وانفة وكبرياء وفخر وعشق وهيام ووو...الى آخره ، وأن الحب ليس أعمى كما يعتقد ، وعند بعض القبائل العربية الحب عيب وعار وشنار، وخارج عن مبادئ العادات والتقاليد . وعند العقلاء والنبلاء والمصطفين الاخيار الحب سمو وقداسة وايمان . ولم يكن الحب أعمى . والجدير بالذكر أنه ليس أحد ممن ذكرتهم جميعا كان أعمى ، وجميعهم مبصرين . الا بشار بن برد بيد ورغم انه كان اعمى فلم يصف ولا مرة في قصيدة من قصائده الحب بالأعمى ، بل كان ينسب الى نفسه الفخر ، ويدعي رؤية الاشياء بنور الوجدان . وبعض الشعراء منهم من كان يصف الحب بأنه جحيم وعذاب ومجون كإلياس أبو شبكة ، ونزار، ومن قبلهما قيس بن ذريح الملقب بقيس لبنى . وابن آكل المرار، والشاعر المتلمس ، وغيرهم الكثير من شعراء الصعاليك والهجول . والى هذه اللحظة انا اعتقد ان كل ، يصف الحب من زاوية أو من رؤية خاصة . ولا يعتمد في ذلك على رؤية حقيقية أو مؤكدة . كما انني اعتقد ان تفسير هذا ، لا يرجع الى معايير حقيقة أو فلسفية بهذه الصورة ، وكأن المقصود ان قلب الانسان يهوى ويعشق صدفة بلا مقدمة وبلا تدقيق وبلا تمحيص . وان في دماغ الانسان استشعارا واشارات مكامن الحب تنطلق تجاه ما يوافق الهوى ، ومن هذا المنطلق من الممكن ان تخرج علينا عدة تساؤلات آخر : هل هذا هو شكل الحب الحقيقي في صورته العمياء ؟ وهو جميل ! اذا فكيف يكون شكله وصورته وهو بصير ؟ معذرة للقارئ الكريم ، لكثرة التساؤل والاطالة في الطرح والاسهاب ، لكني أظن الا تنتهي هذه المسألة كما اسلفت سابقا ، فكيف ارد على ابي تمام وهو يقول : نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا للحبيب الأول .. اذن هذا ابو اتمام ايضا يلعب على رقعة شطرنج الحب ، يعني ان الحب عند ابي تمام ملهاة وهوى واي شيء آخر . ويوافقه في ذلك الشاعر العربي ، ديك الجن حيث قال : نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى ** كهوى جــــديد أو كوصل مقبل .. لكن ما هي رؤية شاعرات العرب في الجاهلية وصدر الاسلام ؟ وهل الحب عندهن ايضا اعمى او بصير؟ علية بنت المهدي أكثر الشاعرات العربيات تغنيا بالحب وتذوقا له ، واروعهن بلاغة وفصاحة ، واكثر شاعرات العرب نظما لشعر الحب وبعفوية تامة وجمالا وبلا تكلف . ومن اللاتي لم يقول الحب عن لسانها كما قوله بعض الشعراء على السنتهم عن السنة حبيباتهم ، اذ قالت علية : فاسـتقبـلي بالبِـشْـرِ يَـوْمَ لـقـائِـهِ *** وَدَعي الدمـوعَ لِلَيْلَةِ الهجران!.. وهذا دليل انهن يصفن الحب ويحركن الاحساس والمقل بالجمال والتغني ويصفنه بالبشر والابداع . اذ تقول ولادة بنت المستكفي : سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا *** بكل سكوب هاطل الوبل مغدق ... يا لروعة هذا الجمال والابداع الذاتي ، ومثل ولادة ، عشرقة المحارب اذ تقول : فما لبـِس العشاق من حلل الهوى ***ولا خلعُوا الا الثياب التي ابلي . وهذه صورة من اعتزازها بالحب . حقيقة لم أقرا من يصف الحب بصيرا ، بجمال بديع ومنقطع النظير الا ابي الطيب المتنبي في قصائده . ثم في قصائد السمو العظيم لدى تماضــر بنت عمرو بن الشريد . وليلى الاخيلية اذ قالت مرة : ولو أن ليلى الأخيلية سلّمتْ *** عليَّ ودوني جَندلٌ وصفائحُ *** لسلّمتُ تسليم البشاشة أو زف *** إليها صدى من جانب القبر صائحُ ـ ولو ان احدا قال كيف تصف لنا الحب ، لقلت مسكين الحب : الحب مهموم . لكني لم اجد ولم اقرا مرة ان الحب اعمى ، ولكنني سمعت ان الحب اعمى واخرس واصم .....
الكاتب: عبدالله البنين
2المفضلة
548 المشاهدات
0 تعليقات