من أنا ؟
(1994 - 1920 )
ولد شارلز بوكوفسكي في 21 آب 1920 في مدينة أندرناتش (Andernach)، غرب ألمانيا، وبعد سنتين هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ألمانيا
سيرة شخصية
(1994 - 1920 )
ولد شارلز بوكوفسكي في 21 آب 1920 في مدينة أندرناتش (Andernach)، غرب ألمانيا، وبعد سنتين هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية. التقت أم بوكوفسكي الألمانية أباه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث كان هذا الأخير جندياً ضمن القوات الأميركية المحتلّة لألمانيا. ولم يكن اللقاء حكاية حب رومنسية عاصفة، بقدر ما كان اختزالاً للعلاقة بين المحتلّ والمحتل. فعائلة الأم كانت معدمة ككثير من العائلات الألمانية بعد الحرب، وحين جاء الجندي الأميركي إلى منزل عائلة الأم عارضاً قطعة لحم كنوع من الصدقة كان رد فعلها أنها بصقت على حذائه. لكن الجندي الذي أعجب بالفتاة ظلّ يأتي إلى منزل العائلة الواقع ضمن منطقة خدمته كل مساء مقدّماً قطعة لحم يسرقها من مؤونة الجيش حتى نال تقدير الفتاة التي سرعان ما أصبحت زوجته.
عاد الزوجان بوكوفسكي إلى أميركا آملين بحياة أفضل، لكن الأمور جرت عكس توقّعاتهما مع الكساد الاقتصادي الكبير (Great Depression) الذي عصفت بأميركا منذ نهاية العشرينات من القرن الماضي والذي جعلت الأب ينضمّ إلى صفوف العاطلين عن العمل، ليتحوّل شخصاً عنيفاً ومحبطاً ناقلاً إحباطه ومعاناته إلى الابن شارلز. وتشكّل ذكريات بوكوفسكي الطفولية القاسية جزءاً مهماً من كتاباته، وقد عبّر عنها في العديد من قصصه القصيرة مثل(موت الأب) أو رواياته مثل(هام أون راي) كما في العديد من قصائده، حيث لم تقف معاناة شارلز مع أبيه عند الحدود النفسية والمعنوية، بل كانت أغلب الأحيان تجد تعبيراً فيزيائياً حيث كان الأب يضرب ابنه ضرباً مبرحاً باستمرار. ليجد شارلز نفسه في مطلع حياته فتى وحيداً ومعزولاً، وليصبح متعاطفاً مذذاك مع الذين يشاركونه حالته، أي أولئك الذين يعانون القسوة البشرية الناجمة عن قسوة الشرط البشري نفسه.: قسوة البشر المضطهَدين على البشر المضطهَدين مثلهم.
سرعان ما وجد بوكوفسكي نفسه، إذاً، ضمن هذه الحلقة من الهامشيين والفقراء والمعزولين، وليصبح بعد ذلك، في أدبه، الناطق بمعاناتهم. وفي الوقت نفسه وجد بوكوفسكي ملاذه الفعلي في عالم الكتب. يقول في مقابلة صحافية أجريت معه عام 1982 متذكّراً اكتشافه القراءة:(كنت آخذ مصباحاً يدوياً صغيراً إلى سريري، وأندسّ تحت الشراشف، وكان الجو خانقاً وحاراً هناك، لكنه كان يزيد من ألق كل صفحة جديدة أقلِّبها، كما لو أنني أتعاطى المخدّرات: سينكلير لويس، دوس باسوس.. كانا صديقي تحت الشراشف). ومع اكتشافه عالم الأدب اكتشف بوكوفسكي الكحول أيضاً. يكتب في روايته/سيرته الذاتية(هام أون راي):(كان من الجيد أن أسكر.. وقرّرت أنني أحبّ حالة السكر هذه. فالسكر كان يبعد الواضح عني، وربما إذا استطاع المرء بما فيه الكفاية الابتعاد عن الواضح فلن يعود واضحاً هو نفسه). كان السكر واللاوضوح هما(وظيفة) بوكوفسكي كما يقول الناقد جاي دوغرتي في دراسته عنه، حتى بداية الستينات من القرن الماضي حين أضاف إليهما الكتابة التي اعتنقها مذذاك بصورة جدية وحتى نهاية حياته. لكن أياً من هذه \"الوظائف\" لم يكن ليؤمِّن متطلبات الحياة العادية له، فاضطر بوكوفسكي إلى التنقّل بين وظائف عدة من غاسل صحون في مطعم، إلى سائق شاحنة، إلى ساعي بريد، إلى موظف مرآب، إلى موظف المصعد في فندق، إلى عامل في ملحمة، وسوى ذلك من وظائف جعلته يحتك، وإن بشكل غير إرادي، بالمجتمع السفلي، مجتمع المعدمين، الذي شكّلت شخصياته جزءاً أساسياً من كتاباته. بعد ذلك قرّر بوكوفسكي التخلّي عن كل تلك الوظائف والانصراف كلياً إلى الكتابة. ففي رسالة مؤرخة عام ،1969 يكتب لصديقه كارل فيسنر:(لدي أحد خيارين، إما أن أبقى في مكتب البريد وأصاب بالجنون، وإما أن استمر بالكتابة وأموت جوعاً، وقد قرّرت الموت جوعاً). بعد ذلك بفترة قصيرة أنهى كتابة روايته الأولى(مكتب البريد) لتكرّ بعد ذلك سبحة مؤلفاته التي بلغت كما أشرنا السبعين والتي كانت تؤمن له دخلاً مقبولاً وإن غير كاف.
بدأ بوكوفسكي يعرف منذ السبعينات شهرة راحت تتعاظم للمفارقة في أوروبا (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اسبانيا...) حيث كانت تترجم أعماله، في الوقت الذي استمرّ تجاهله في أميركا، لا سيما من النقّد والمؤسسة الأدبية. ويفسّر الشاعر نفسه نجاحه الأوروبي الذي يقابله تجاهله أميركياً بالآتي:(أحسب أن الجمهور الأوروبي أكثر انفتاحاً على المغامرة وطرق التعبير الجديدة. هنا في أميركا يبدو أنهم أكثر تفضيلاً للأدب الآمن والثابت. هنا لا يريد الناس أن يوقظهم أو يهزّهم أحد.. يفضّلون النوم طوال حيواتهم. بالنسبة إليهم ما هو قديم وآمن يبدو جيداً) (من رسالة إلى كارل فيسنر الذي ترجم بعض أعماله إلى الألمانية).
شكّلت مدينة لوس أنجلوس التي عاش فيها بوكوفسكي طوال حياته رافداً أساسياً من روافد أدبه. لكن هذا لم يضمّه كما يشير دوغارتي في دراسته عنه إلى سرب كتّاب(الغرب الأميركي) فقد كان يمكن، لولا الظروف، أن ينتمي بسهولة إلى نيويورك أو شيكاغو أو نيو أورليانز أو أطلانتا. فهو لا يناقش ككثير من كتاب الغرب الأميركي الحاضر الأميركي انطلاقاً من ماضيه الأسطوري أو من تقاليده أو من قضايا كالهجرة أو الهنود أو ما إلى ذلك. وهو بهذا المعنى ينتمي إلى لوس أنجلوس الأخرى. يقول في مقابلة أجريت معه عام 1974:(تعيش في مدينة طوال حياتك، ويحدث أنك تصبح على معرفة بكل زاوية شارع فيها... فبسبب نشأتي في هذه المدينة تولّد لدي شعور روحاني بأنني موجود فيها، كان لدي الوقت لأتعرّف إليها، بحيث لا أستطيع أن أرى مكاناً سواها). لم يقحم بوكوفسكي أدبه في الاحتمالات الميثولوجية الكامنة في الغرب الأميركي كما يفعل أي كاتب مهاجر، لكنه بدلاً من ذلك انشغل بهوية المدينة الروحية. وهذه الهوية لا تنفصل بحسب دوغارتي أيضاً عن عمله(تماماً كما لا تنفصل مصارعة الثيران ومقاهي الشوارع عن أفضل كتابات همنغواي.. فبدلاً من المقاهي ومصارعة الثيران انجذب بوكوفسكي إلى سباقات الخيل، والبارات الجانبية، ونُزل لوس أنجلوس الصغيرة).
وقد برع بوكوفسكي أكثر من أي كاتب آخر في نقل هذه الأجواء لا سيما أجواء أولئك الذين خذلتهم الحياة، ومع ذلك يستمّرون في العيش بكل طاقاتهم. يكتب في(ملاحظات عجوز أزعر):(لوس أنجلوس هي أعظم مدينة في العالم، حيث كل رجل وامرأة يملك أسلوبه الخاص ومزاجه الطبيعي، حتى الخرقى لهم مجدهم الخاص هنا. لوس أنجلوس تمثّل نهاية ثقافة ميتة زحفت غرباً لتفرّ من نفسها.. وقد عرفَت أن هذه الثقافة متعفّنة وسخرَت منها.. اسأل نيويورك أو شيكاغو.. لا تزالان تظنان أنهما حيّتان..).
على الرغم من كتابته الكثير من القصص القصيرة والمسرحيات والروايات (التي جعل بطل معظمها شخصية تدعى هنري شيناسكي، أو هانك التي تحضر أيضاً في العديد من قصائده بوصفها أناه العليا)، سوى أنه يبقى شاعراً قبل أي شيء آخر. غير أنه أدخل إلى شعره الكثير من خواص الرواية والقصة القصيرة ولا سيما الحوارات والسرد، وحرص على أن يبقى شعره بسيطاً طوال الوقت غير مدَّعٍ أو متثاقف، وفي هذا المجال يقول في حوار أجري معه عام 1981:(هي القدرة على قول أشياء عميقة بطريقة بسيطة). وقد نجح فعلاً في هذه المعادلة في عدد كبير من قصائده غير أن البساطة نفسها تتحوّل أحياناً خفة شديدة خاصة حين تتخذ القصيدة بالنسبة إليه شكل القصة حيث يمكن أن تستمر القصيدة عدداً كبيراً من الصفحات يمضيها في سرد عادي وتفصيلي من دون أن يتمكّن دائماً من رفعها إلى مستوى الشعر.
من أعماله:
زهرة، قبضة، وجدار بوهيمي (1959)، قصائد طويلة المدى للاعبين مفلسين (1962)، رسوم وقصائد (1962)، تقبض على قلبي بيديها (1963)، اعترافات رجل مجنون بما يكفي للعيش مع الوحوش (1965)، أنا وكل سفلة العالم (1966)، عبقري الحشد (1966)، في شارع الرعب وطريق العذاب (1968)، قصائد كتبت قبل القفز من نافذة الطابق الثامن (1968)، ملاحظات عجوز أزعر (1969)، الأيام تعدو كجياد وحشية على التلال (1969)، الإطفائية (1970)، الطائر الغريد يتمنّى لي الحظ الطيب (1972)، جنوب الشمال (1973)، الاحتراق في المياه، الغرق في النار، قصائد مختارة (1973)، الحب كلب من الجحيم (1977)، نساء (1978)، شكسبير لم يفعل هذا أبداً (1979)، موسيقى المياه الحارة (1983)، تحت التأثير (1984)، الحرب طوال الوقت (1984)، وحيد في زمن الجيوش (1986)، نقاد السينما (1988)، لا نملك مالاً حبيبتي لكن لدينا المطر (1990)، في ظل الزهرة (1991)، قصائد آخر ليلة على الأرض (1992)، مشهور افتراضياً (1992)، صرخات من الشرفة: رسائل مختارة (1993)، الكذب على الحظ، رسائل مختارة (1995)، القبطان خرج لتناول الغداء والبحارة استولوا على السفينة (1998)، أكثر ما يهم هو بأي براعة تمشي على النار (1999)، مفتوح طوال الليل، قصائد جديدة (2000).