حين كانت معنا في البيت
|
كان البيت مكتظاً بأحلام وضحكات،
|
وكنا عندها نلهو كأطفال تغاويهم لُعَبْ
|
حين كانت وحدها في الليل،
|
كان العتم مرآة،
|
وفيها أبصرتْ في وجهها
|
بعض غضون من تعبْ
|
تعبت منا،
|
ومن يقظتها دوماً علينا
|
فارتأت أن تستريح.
|
تعبت من جسد
|
تجهدها فيه الشرايين التي صارت
|
حطب
|
خرجت من جسد أرهقها
|
أو أرهقته
|
غادرته كمسيح
|
تركته في فراش ساخن،
|
تركته في فراش حن في يوم عليها
|
وانتحب
|
فأراحته من الإصغاء
|
في هذا الصخب
|
وارتقت في سقفنا ترمقه في العتم،
|
كي تعتقه منها..
|
استراحت..
|
فتراخت
|
مثلما لو أنها نشوى،
|
وواتاها الطرب
|
كان يكفي
|
أنها قد حسّنت طعم حياة رائبة
|
ثم يكفي
|
أن ترى فينا هناء
|
ورجوعاً لسعادات تولت هاربة
|
أن ترى في عمرنا طعماً لتبقى ذائبة
|
قطرة من عسل في الكأس
|
نحسوها ولا نبصرها
|
لكن طعما فينا
|
وإن كانت ستبدو غائبة
|
إنها ضوء تعودناه صبحاً..
|
وتعودنا على تحنانها حين تواري عاتبة
|
***
|
هي في ذاك الفراش
|
وهي في ضوء المكان
|
وهي كانت تعبه
|
وحدها تهمس: لا..
|
لا تندبوني..
|
إنها تنهيدة الصفو
|
لعلي سأرى
|
وجه ربي في الكرى.
|
***
|
غير أن الكل كانوا انشغلوا عنها بها
|
وأحاط الجوّ في البيت طنين الجلبة.
|
بدأوا بالغسيل والتكفين والدفن
|
وبالإقرار أن الموت
|
قد صارت إليه الغلبة.
|
خرجوا
|
بالجسد المرهق
|
ظلت في
|
فراغ البيت
|
تحنو غاليه.
|
***
|
ورأتنا كلنا
|
نخرج في شبه جنازه
|
قلبها مشتعل
|
مثل حريق في مفازة
|
وحدها تسأل نبضاً في هواء:
|
ما الذي يجعل من قلب حبيبي
|
وتراً يهتز في شبه أنين
|
وقفيراً من حنين؟
|
ما الذي دوخ فتياناً،
|
وخلى عين هذي البنت
|
تبكي نادبة
|
ما الذي يُخرجه الأهل من البيت؟
|
***
|
خرجنا كلنا..
|
ظلت قليلا وحدها
|
تحرس الصمت الحزين
|
بقيت مفروشة وسط هواء البيت،
|
***
|
ترنو شاحبة.
|
نهدة تفلت منها:
|
أستطيع الآن أن أرتاح،
|
لولا أنهم يبكون
|
ها قد تركوا خلفهم الصبر الجميلا
|
قد تخلصت من الجسم،
|
وكان الجسم في الهم ثقيلاً
|
وأطلت نحو فوضى البيت،
|
قالت:
|
وسّخوا الدنيا،
|
المعزون تغاضوا عن لفافات التعازي
|
ومناديل البكاء
|
ملأت فوضاهم البيت
|
وهذا الوحل فوق العتبة
|
سيعودون
|
ويأتي معهم بعض الضيوف الغرباء
|
إن هذا واجب الضيف،
|
ولن يعذر أن يبصر فوضى البيت
|
حتى في العزاء
|
هذه القهوة لا بد بأن تبقى على النار،
|
حبيبي،
|
أنا ما اعتدت بأن أهمل،
|
ألقى عبته.
|
وإذا ما الضيف لم يرتح فقد يشغل فيه
|
غضبه
|
ما الذي يعني لهذا الضيف أني تعبه؟
|
***
|
وضعت ماء على النار سريعاً،
|
أمسكت ممسحة مألوفة،
|
أمسكت مكنسة
|
وقفت قدام مجلاها
|
وخافت أن يعودوا قبل أن تنهي
|
بقايا شغلها في البيت،
|
تنظيف أساها
|
رسمت في وجهها بسمتها
|
كي لا يتبدى في المحيا
|
أنها مضطربة.
|
أنهت الشغل،
|
وحلت بين ورد البيت،
|
في الأصّ الذي
|
لم تنس أن تسقيه كل صباح
|
حين عادوا
|
وجدوها وردة مفتوحة العينين في الأص الوحيد
|
ورأوا ما ظنه الناس زوايا خاوية
|
شمشموا الوردة،
|
شالوا ضوعها في الروح
|
صارت سرهم مثل خمور
|
تنطوي في دالية
|
جسد ووري في اللحد
|
وظلت دفأنا في البرد
|
صارت نسمة عبر ليالي الصيف
|
ظلت في سماها عالية. |