1 – نهر. نهر. نهر:
|
أكسّر بالحصى مصابيح عينيك
|
و أفترش صخرة العتمة
|
أحلم بأن يديّ نهاران
|
و رأسي شجرة ليمون
|
و جسدي مزرعة للعدس
|
نهر. نهر. نهر
|
نهر من القرنفل و العشاق و العصافير الشاردة
|
و صديقتي لؤلؤة قمحية مخبأة في تابوت
|
نهر. نهر. نهر
|
نهر من الرماد و القتلى و المدن المهزومة
|
و صديقتي تضع جبينها على الوسادة و تبكي
|
نهر. نهر. نهر
|
نهر من الغضب اليابس و القبضات الصدئة
|
و صديقتي تفرّ إليّ سربًا من الذعر
|
و تختلط بي.
|
***
|
2 – النافذة و الرصيف:
|
تدخل الشمس من النافذة كملكة
|
من النافذة يدخل الغبار كعنكبوت
|
حبيبتي تطلّ من النافذة
|
و من النافذة أرقب شلاّلات النجوم
|
من النافذة تترجل رصاصة بمهابة
|
و تخترق جسدي بكبرياء
|
أتدلى من النافذة بعينين عشبيتين
|
و أقفز بارتياع في بحر الأرصفة.
|
***
|
3 – زهرة بريّة لعيني نيرون:
|
أنا المقيّد المنتشر
|
أسطحة ذاكرتي تراب
|
أحمل لحبيبتي أقراط اللوز و أساور العنب الأسود
|
زهرة بريّة لعيني نيرون
|
سيّد الخراب و القصور الجائعة!
|
و مثلما الأفراح النارية تختلج على قيثارته اليتيمة،
|
أختلج على أوتار حبي
|
مشنوقًا بأوراق الزيزفون و غبار المدينة المتهدمة
|
افتحي لي بوابة النهر لأغتسل
|
اغلقي خلفي نافذة اليباب لأنام
|
امتلكي دهشتي و خطاي
|
قبل أن أصبح دمية محطمة
|
ادخلي فضاء قلبي
|
كوكبًا مائيًّا صغيرًا
|
و مزّقي رئتي بالقبلات
|
فأنا المنفتح شراعًا فوق مركبة الخذلان
|
أحمل لنيرون زهرة بريّة بيدي اليمنى
|
و باليسرى أقبض على جمجمة البحر المتفتتة
|
و من شفتي تسيل ملكة الحزن و الانكسار
|
و أمام مذبح الوقت
|
أعرّي أجيالي بغبطة
|
أغسلها بلفائف التبغ و مقصلة الكلمات
|
ليغتصبها هيكلي الجوعيّ قطعة قطعة.
|
***
|
4 – كان وقتًا جميلاً:
|
لم يكن وجهها بيدرًا
|
حين بعثرني الوقتُ
|
قلتُ لها: أنت لي..
|
و أخذتُ رمادي من الشرقِ و الغربِ
|
من جهةٍ صلبتني
|
و من جهة أمسكتْ خطوتي قبل أن ألمسَ النهرَ
|
أعطيتها جسدي و بطاقةَ حبّ ملوّنةٍ
|
و بكيت قليلاً على صدرها الشجري
|
رحلتُ. وقفتُ:
|
ليس لي غير صوتي و نافذة و ترابْ
|
ليس لي غير هذا الغبار الصغير
|
سيخنقني جسدي
|
الآن تأتين مقصلة و يباب
|
إقرع الكأسَ بالكأسِ
|
موعدنا جثتان
|
إقرع اليأسَ باليأسِ
|
مدّدني جبلاً في الطريق
|
فشاحنة أينعت في فمي:
|
وردة و مصابيح ذئبية
|
و جزيرة موت
|
و لا أنتهي..
|
كان وقتًا جميلاً جميلاً
|
ضفة و رمال، و مشنقة تتدلّى
|
و شاخصة (سيدي) لن تش
|
كانت الأرض عرسًا بسيطًا
|
و ها جثّتي في يديّ كحبة توتْ
|
و بحارة ينشدون:
|
لقد كنت قنبلةً يا حبيبي
|
تفجرني، و تموتْ.
|
***
|
5 – لوسيفورس يقشر برتقالة البحر:
|
أصعد النافذة المفتوحة على ثديي قروية ترضع الأرض
|
شفتاي مكبلتان بالسخام و تعب الصحراء
|
أصعد، حاملاً المدينة تحت إبطي
|
بيوتًا ملطخة بالقهر و الابتسامات الباردة
|
أرى:
|
لو سيفورس يقشر برتقالة البحر
|
أنتحب بين يديه
|
لو سيفورس، اعطني سكينك و خذ جسدي
|
- لو سيفورس، اعطني قدميك و خذ ذاكرتي
|
الطافحة بالأسماك الجميلة الميتة
|
- لو سيفورس، اهدني مسدسًا أثقب به
|
جمجمة الليل أو اهدني موتًا حقيقيًّا..
|
فلمّا أزل متوغلاً في نفق البكاء،
|
أترك أثرًا، زنبقة في صدر امرأة، و أموت.
|
و لمّا أزل أستلقي على أرصفة الدنيا،
|
أحلم كخروف بالحشائش و التبغ و الجدران الخمسة
|
و في الصباح أترك أثرًا، بقعة دم متجمدة،
|
و أموت.
|
الرسائل أيضًا
|
أدسّ فيها زهور اللوتس و جوعي
|
و أوزّعها على بريد العالم
|
فيرسلون لي في طرد مضمون قنبلة ناعمة
|
تنسفني، و أموت.
|
لو سيفورس..
|
هل رأيت الشمس و هي تتدلى من حبل مشنقة؟
|
لقد كانت أمي تحبها كثيرًا
|
و تطرز لها في الشتاء قميصًا من خيوط شجرة عينيها.
|
هل تعرف أين تختبئ الأقمار القديمة؟
|
مرّة فتحت تلميذة صندوقها الخشبي الصغير
|
الذي تضع فيه كتبها المصوّرة
|
و كنت أختلس النظر كقط ذكي
|
فرأيتها:
|
عشرة أقمار..
|
عشرة أقمار صغيرة لامعة!
|
..
|
صورة: - لوسيفورس يأكل برتقالة البحر-
|
صوت: -لوسيفورس، أطعمني، فأنا جائع.
|
***
|
6 – المهدورة:
|
تنبئني امرأة كبريتية
|
فمها وكر للخفافيش و الأسلاك الشائكة:
|
- زمنك المتقدم على قدمين من زجاج،
|
سينكسر قبل أن يصلك.
|
تنبئني امرأة طائشة:
|
- زمنك المنكسر يأتي إليك بلا أيام
|
محمّلاً بالتوابيت و بطاقات التعزية.
|
تنبئني امرأة تدخن الماريجوانا
|
في مقهى البحر المتوسط:
|
- زمنك الميت، مكتئبًا يسير في أزقة المدينة
|
يسأل عنك الأرصفة الرطبة
|
و يفتش في جيوب الشحاذين عن عنوانك المحترق.
|
ينبئني زمني:
|
- امرأة تخبئ في عينيها كلّ الأفراح
|
المهدورة و الأعراس الممزقة..
|
قادمة من بين يديك،
|
فاستقبلها.
|
.........
|
مطر أشقر و فرس زرقاء
|
و جثتي في الشارع وحيدة
|
و ما زلت أكتب العصافير على ورق الجدران
|
و أرسم تفاصيل حبيبتي الكئيبة
|
مدن من زهر النعناع
|
و قرى من نفايات المدينة
|
جثتي في الشارع وحيدة
|
و أنا أصرخ في بوق الريح:
|
أيها الزمن السيء، أيها الزمن اللعين
|
يا رغيفًا من حشرجات و وطاويط
|
ألم تر حبيبتي الكئيبة
|
سمراء. قمحية. مدمرة. بحر
|
ملفوفة بالأعشاب و الغيوم الكتيمة
|
عيناها سمكتان و نهدها غزالة
|
و سلّم سترتها طويل
|
درجة أولى و ساعتي رطبة
|
ماذا تطلب أنت؟
|
- زجاجة بيرة و صحنًا من الأحزان المقلية
|
قصائد مملحة بجوع الفقراء
|
و أشجارًا مبادة بالأسلحة الكيميائية!
|
تعلّم، إذن، كيف تحب العالم
|
تعلّم كيف تبتلعه.
|
درجة ثانية و سلّم سترتها طويل
|
لا تصعد هذا الوجع
|
قد تطلع من الحائط نسمة بحجم جبل
|
قد يخرج خرتيت من بطن خزانة محشوّة
|
بالثياب الفرنسية موديل 2000
|
و ربما يطل برأسه ديناصور رهيب
|
من كتاب يتحدث عن الحب و الأزهار
|
إقرأ كتاب النار و لا تشتعل
|
دخّن لفائف قهرك الرخيصة
|
فالدرجة الأخيرة آتية
|
و سلّم سترتها طويل
|
ضمّد جراحك بالأرصفة و رسائل المساجين
|
فمعدن حبيبتك مزوّر
|
و أنت لم تتعلم فن الضحك في مدرسة
|
دريد لحام
|
و لم يعلمك أوفيد فن الحب
|
إنسان بسيط أنت
|
تريد أن تأكل و تتزوج و ترقص!
|
جسد حبيبتك شمس
|
إذا اقتربت منها ستحترق
|
كفّا حبيبتك مدينتان
|
إذا دخلتهما ستصاب بالانفصام
|
شفتا حبيبتك رغيفان
|
إذا أكلتهما ستصاب بالتخمة
|
..
|
مطر أشقر و عيون زرقاء
|
و أنتِ ممددة على معطفي الممزق
|
المدينة نائمة و نحن وحيدان
|
.و سندريلا في ردائها الطويل تطارد المذبحة
|
أنا جائع جائع
|
كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع
|
و لكني لا أريد أن أموت
|
أنا مقهور مقهور
|
كورقة صفراء لم تأخذها الريح في الخريف
|
و لكني لا أريد أن أسقط في الفراغ
|
أنا معذب معذب
|
مثل ديك بعنق مقطوع يركض في أزقة
|
خاوية و دمه لا يتساقط منه
|
أنتِ جميلة و المطر أشقر و نحن وحيدان
|
و لكن لا أريد لموتي أن يتسع
|
..
|
أيتها الرائعة الخاوية حتى من جسدي
|
أيتها البلاد المثقوبة كالخرز أو كالجراح
|
ها أنذا أعطيك نهرًا قبل أن أغتسل
|
فيه!. |