من أحرق السُفُنْ
|
قبلَ مجيء طارقْ ؟
|
وقبل أن تجيئنا البنادقْ
|
من أوصل النارَ إلى المُدُنْ ؟
|
الملايينُ كانت لديها الأماني
|
رَقَصت ذاتَ يومٍ بغير همومْ
|
بكت اليومَ إذ فاجأتها الجريمهْ
|
من تُرى أيقظ الأمة النائمه ؟
|
ما الذي ضيعت هذه الأمة الهائمه ؟
|
الملايين إذ صُعِقوا
|
عبّأوا ليل هذي الصحارى
|
فالرجال استفاقوا حيارى
|
والنساء ارتمينَ بغير عزيمه
|
لعنةٌ سقطت فوق أحزانهن القديمه
|
كل شيء هوى لاعقاًَ ما تبقّى من الغضبة العارمه
|
الخوف في العيون قابعٌ
|
ونحن في العراء
|
والرمل حولنا يغوضْ
|
ونحن نرفع العيون لا نرى السماءْ
|
لا غيث في المُزُنْ
|
والنار في السُفُنْ
|
تمتدُّ للمُدُنْ
|
الخوف وحده ملثماً يجوس بيننا
|
ونحن مطرقون
|
والمُدُن اليتيمةُ ارتمتْ
|
عارية مقتولة بلا كََفَن
|
وفي ضلوعنا تمرُّ خطوة الزَمَنْ
|
ونحن واقفونْ
|
ضَمدوا الحزنَ بالحزن ، والموتَ بالموتِ
|
هذا زمان عنيدْ
|
ضمدوا كل جرح بجرح جديدْ
|
وارقبوا خوف أن يغدر البرمكيُّ بنا
|
بعد موت الرشيدْ
|
لا ماءَ في المُدنْ
|
والنار في المُزُنْ
|
تهوي على السُفُنْ
|
مَرّت الرعشةُ فينا ، فانتبهنا
|
وابتدا كلٌّ يواري مقتله
|
أَفْلتَ الخوف من القيد اشرأبّا
|
وخشينا أن يرى الناس لدينا منزله
|
فتضاحكنا قليلاً .. واتكأنا
|
وصديقي ، قبل أن يكمل سرد النكتة المرتجله ،
|
مزقته قنبله
|
هذه وصمةٌ
|
قد دفنا رؤى طارقٍ بالهمومْ
|
كان سيفاً كسرناه فوق الصخورْ
|
هذه لعنة جلبتها إلينا السمومْ
|
لا نرى غير هذه الصقور ،
|
التي منذ جئنا تدورْ
|
لا ماءَ في البحارْ
|
والنار في السُفُنْ
|
تمتد للمُدُنْ
|
وطارق كالحلم طارْ
|
ولم تجئنا في غيابه المُزُنْ
|
قلتُ : أمضي ، وأترك خلفي الركامْ
|
قلتُ : أمضي ، كفاني عناداً فلستُ المسيحْ
|
الدروبُ استفاقت سيوفاً تفض الزحامْ
|
قلتُ: أمضي بعيداً ، فلا أَحَدٌ يسمع الصوتَ حولي
|
ووحدي أصيحْ
|
ليسَ هذا زماني.. من الغيظ للغيظ وحدي أطوفْ
|
قلتُ : أمضي فلا أبتغي من حياتي بطوله
|
ضيّعت هذه الأمة الوجه منذ الطفوله
|
جعتُ فيها ، وهم نهشوا كل جيفة حلمٍ قديمْ
|
أمة كَفّنت نفسها خشية الوهج عبر الحياهْ
|
أمة أدمنت موتها واستمرت رفاتْ
|
كل شيء لديها يموتْ
|
المنى والسيوفْ
|
والدموع الخبيئة ضمن البيوتْ
|
كل شيء لديها سكوتْ
|
صرخة الخوف والغيظ ، مثل ارتطام العظامْ
|
ترتمي كلها في الختام حطامْ
|
قلتُ أمضي .. ولكن!!
|
إلى أين وحدي أطوفْ
|
هذه أمة شخت فيها أسىً وهوى
|
هذه أمةٌ أدمنتني وأدمنتها ..
|
عذبتني وعذبّتها .
|
قوَّضتني وقوَّضتها
|
قلتُ أمضي .. فلم أقوَ حتى على الوقوفْ
|
ما تنفع البيارقْ
|
حين يجيء الجوعْ ؟
|
وحين تنصب المشانقْ
|
ما نفع هذه الدموعْ ؟
|
خبأوا الموتَ بين الصدورْ
|
ومضوا غيمة سائحة
|
غير ان الصقورْ
|
عرفتهم من الرائحه
|
لو أني أكلتُ على المائده
|
لقلت : قبضتُ الثَمَنْ
|
ولكنني حين جاء الطعامْ
|
وجدتُُ عظامي مع الوجبه البارده
|
وأطباقها ضمت اللحم مثل الدِمَنْ
|
تقلبتُ بين الملاعق ،
|
مُزِّقت في كلّ فمْ
|
وحين صرخت .. وجدتُ الصراخ
|
هو النغمة السائده
|
لا ضوءَ في المُدُنْ
|
لا غيث في المُزُنْ
|
والريح أهوت تَعَباً
|
قبل وصولها إلى السُفُنْ
|
مات جدي وأبي .. متُّ أنا .. ما عدت أدري
|
طرق الموت على الباب ، وحيّانا ، امتقعنا
|
وفرشنا مثلما تقضي الضيافه
|
ومع الفجر مضى يحمل شيئاً .. ربّما يحملني
|
كنتُ والموت أليفين ،
|
تعوَّدتُ وأطفال القرى الحضن الجميلا
|
كان يدنو .. يمسح الخوف بكف خشنه
|
ثم يمضي تاركاً فينا عويلا
|
حاملاً وجهاً عرفناه طويلا
|
فشبعنا منه موتاً
|
وألفناه ، عبثنا دونما خوف بشعر الشاربينْ
|
وعرفنا ما الذي تعنيه تلك الضحكات المتزنه
|
حين يرتدُّ إلينا سنة بعد سَنَهْ
|
تموت برداً وحدها المُدُنْ
|
والنار أضحت في الصواري
|
تشع ، تفضح الخواء في المُدُنْ
|
جاؤوا لكي ينال كل حصة من الجواري
|
والبرمكيُّ رابض .. في عينه وعيدْ
|
النار ورائي وأمامي
|
وأنا أتقلب بين جموع مذهوله
|
ووجوه لا يعرف واحدها الآخرْ
|
أعبر أجساداً جامدةً
|
وبوهج النار أراها مقتوله
|
والنار في الخنادقْ
|
وليس في أكفنا بنادقْ
|
ولم يعد إلى الجيوش طارقْ
|
لا تلوموه إذا مات ،
|
رأينا الموت في عينيه مذ كان جنينا
|
ولقد أثقله الهم سنينا
|
كان جسرَ البيت ، منهوكاً
|
ولكن كان جسر البيت وحدَه
|
وبه كنا يتامى وحيارى
|
وبه كنا حزانى أشقياء
|
لم نكن نتقن في حضرته إلا ادعاء الكبرياء
|
لا تلومونا إذا نحن بكينا
|
ألم البتر ، ولو كانت يداً شلاء ، يضني
|
كان جسر البيت ، كان العين للدمع
|
وشيطاناً لرجم الأتقياء
|
دمية للطفل كانْ
|
فارس الأحلام للعذراء ، ينبوع ملذات السكارى
|
لا تلوموه إذا مال وقد صار لكم متكأَ
|
منذ أن جاء رأيناه مسيحاً ويهوذا
|
ورأيناهُ سِراجا
|
فهجمنا صوبه سرب فراشْ
|
واحترقنا فيه حتى انطفأ
|
من أضرم النيران في السُفُنْ ؟
|
من قال: إنا تائهون في المُدُنْ ؟
|
فلتهجموا إلى المرافئ
|
فالغيث غادر المُزُنْ
|
ونحن قابعون في المخابيء
|
ما تنفع البيارقْ
|
حين يجيء الجوع؟
|
وحين تنصب المشانقْ
|
ما نفع هذه الدموع؟
|
خذوا حزنكم وارجعوا
|
خذوا العار والدمع والكبرياء
|
خذوها ابدأوا من جديدْ
|
ولا تجلسوا في البيوت انتظاراً لسيف القضاء
|
صرختُ طوال الحياة فلم تسمعوني ..
|
ولم أجن إلا العناء
|
محنةَ عَبرَتْ فبكينا من النيل حتى الشآمْ
|
هذه أمة خلعت موتها ،
|
فصَدَتْ موتها في جنازة طارقْ
|
حان وقت الفطامْ
|
في القبور استفاقت عظامْ
|
واكتست لحمها
|
فانتشت بالوعود الزنابقْ
|
ما تنفع البيارقْ
|
حين يجيء الجوعْ ؟
|
وحين تنصب المشانقْ
|
ما نفع هذه الدموعْ ؟
|
على الشط ماتوا عيوناً تنادي
|
على الشط ماتوا جياعاً
|
قضوا فقراء كما أقبلوا
|
قضوا في عروقي .. وهذي البلاد بلادي
|
على الشط ماتوا بصمت
|
فلا البحر يدري .. ولا الأرض تنهضْ
|
وأمواج هذي البحار تغطي الأنين
|
ويمتص ما سرقته الرياحُ ، ضجيجُ المزادْ
|
على الشط ماتوا وكنت أراهم
|
فلم يبق غير الرمادْ
|
خبأوا الموت بين الصدورْ
|
ومضوا غيمة سائحه
|
غير أن الطيور
|
كشفتهم من الرائحه
|
قبل ركوب البحر مات طارقْ
|
والنار جاءت في السُفُنْ
|
فلنتمسك بالشواطئ
|
لا بأس أن نموتْ
|
ونحن نرفع البيارقْ
|
ما تنفع البيارقْ
|
حين يجيء الجوعْ ؟
|
وحين تنصب المشانقْ
|
ما نفع هذه الدموعْ ؟
|
تنهض الصحراء بالموتى وتمشي
|
فارقبوها
|
وارقبوا الغصن الذي يخضرّ في أخشاب نعشي
|
تنهض الصحراء .. تمشي
|
كتلة الضوء اعترتنا
|
عندما اصطكت عظام الناس في فك العَدَمْ
|
تنهض الصحراء موتاً وحياة
|
رملها المجبول دمعاً ودماً
|
أقوى من الريح ومن فيض الألم
|
ما تنفع البيارقْ
|
حين يجيء الجوعْ ؟
|
وحين تنصب المشانقْ
|
ما نفع هذه الدموعْ ؟ |