مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب
|
تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها
|
و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب
|
فتوشك أن تطير شرارة و يهب موتاها
|
صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب
|
صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها
|
و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها
|
صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها
|
و في غرفات عشتار
|
تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار
|
و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب
|
من المستنقعات تصيح
|
لاهثة من التعب
|
تؤوب ألهة الدم خبز بابل شمس آذار
|
و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار
|
لنسأل عن هداياها
|
جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها
|
و قاسيتان عيناها
|
و باردتان كالذهب
|
سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار
|
قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها
|
وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار
|
و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها
|
فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمة
|
عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة
|
لترجمنا بلا نقمة
|
تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا
|
حتى ألفناها
|
عيونكم الحجار كأنّها لبنات أسوار
|
بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها
|
عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار
|
يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها
|
و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة
|
بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة
|
له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد
|
أنار البرق في عينيه أم من شعلة المعبد
|
أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار
|
أنافذتان من ملكوت ذاك العالم الأسود
|
هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ
|
جرح العالم الدوار فاديه
|
و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالأزهار
|
و الأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه
|
و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناها
|
بلا مطر و لو قطرة
|
و لا زهر و لو زهرة
|
بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها
|
لنذبل تحتها و نموت
|
سيدنا جفانا آه يا قبره
|
أما في قاعك الطيني من جرّة
|
أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره
|
حدائقه الصغيرة أمس جعنا فافترسناها
|
سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا
|
و أوشابا زرعناها
|
فوفّينا و ما وفى لنا نذره
|
و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار
|
و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار
|
و يشعل خاطف البرق
|
بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار
|
و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي
|
فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار
|
ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق
|
نشيدهم الصغير
|
قبور إخوتنا تنادينا
|
و تبحث عنك أيدينا
|
لأن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار
|
تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا
|
جياع نحن مرتجفون في الظلمة
|
و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا
|
نشد عيوننا المتلفقات بزندها العاري
|
و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة
|
فيا من صدرها الأفق الكبير و ثديها الغيمة
|
سمعت نشيجنا ورأيت كيف نموت فاسقينا
|
نموت وأنت _وا أسفاه_ قاسيةٌ بلا رحمةْ
|
فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا
|
و من سيموت يُولمُ لَحمه فينا
|
و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار
|
تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا
|
و غلغل في قرارة أرضنا
|
وهج فعرّاها
|
بكل بذورها وجذورها وبكل موتاها
|
وسحّ وراء مارفعته بابل حول حماها
|
وحول ترابها الظمآن من عمد وأسوار
|
سحاب لولا هذه الأسوار رواها
|
وفي أبد من الإصغاء بين الرعد والرعد
|
سمعنا لاحفيف النخل تحت العارض السحّاح
|
أو ماوشوشته الريح حيث ابتلت الأدواح
|
ولكن خفقة الأقدام والأيدي
|
وكركرة وآه صغيرة قبضت بيمناها
|
على قمر يرفرف كالفراشة ، أو على نجمة
|
على هبة من الغيم
|
على رعشات ماء قطرت همست بها نسمة
|
لنعلم أن بابل سوف تغسل من خطاياها |