لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ |
وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ
|
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ |
بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر
|
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت |
وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر
|
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ |
تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر
|
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً |
من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر
|
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني |
أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر
|
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها |
مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر
|
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ |
تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر
|
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة |
على أنها كانت قِباحَ المخابر
|
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم |
وآمالهم من مستقيم وجائر
|
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه |
وراح القويُّ عرضةً للعواثر
|
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه |
ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر
|
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً |
سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر
|
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ |
فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر
|
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ |
وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر
|
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ |
طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور
|
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ |
على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر
|
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى |
سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر
|
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى |
أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر
|
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه |
على أنه سامي الذرى في المفاخر
|
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ |
على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر
|
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا |
سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر
|
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها |
على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر
|
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى |
بها جَلْبُ قوم " الكراسي " الشواغِر
|
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع |
قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر
|
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ |
وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر
|
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ |
تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر
|
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ |
غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر
|
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم |
ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر
|
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي |
خُطى كل مقتادٍ لها : من مناصر
|
وحسبُهمُ أن يستجدُّوا " دعاية " |
تُعدِّدُ ما لم يعرفوا من مآثر
|
وأوجع ما تَلقَى النفوس نكايةً |
مَعِزّةُ أفرادٍ بذُلِّ أكاثر
|
لكي ينعُمَ الساداتُ بالحكم ترتوي |
بقاعٌ ظِماءٌ من دماءٍ طَواهر
|
وكي لا ترى عينٌ على البَغي شاهداً |
تُغيرُ عمداً ناطقاتُ المحاضر
|
وأهوِنْ بأرواح البريئين أُزهِقَت |
وأموالِهم طارت هباً من خسائر
|
وكانت طباعٌ للعشائر ترتجى |
فقد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائر
|
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا |
سلاحاً علينا بين حين وآخر
|
وإنك من هذي الشنائعِ ناظرٌ |
إلى مُخزياتٍ هن شوكٌ لناظر
|
اذا ما أجَلْتَ الطَرْف حولَك وانجلت |
بعينيك يوماً مُخَبئاتُ الضمائر
|
وكشفت عن هذي النفوس غطاءها |
وأبرزتَها مثل الاماءِ الحواسِر
|
وفتَّشتَ عما في زوايا الدوائر |
وغربَلْتَ ما ضمَّت بطونُ الدفاتر
|
رجعتَ بعينٍ رقرَقَ الحزنُ ماءَها |
وأُبْتَ بقلب شاردِ اللُبِّ حائر
|
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت |
على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر
|
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً |
تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير
|
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ |
حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر
|
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها |
فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر
|
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه |
بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر
|
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ |
مخازيَ جيل بالقوافي السوائر
|
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا |
ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر
|
وسوف نُريهم للمهازل مَرسَحاً |
نَروح ونغدو فيه هُزأةَ ساخر
|
فإن ترني أُذكي القوافي بنَفثَةٍ |
أُراني على كِتمانها غيرَ صابر
|
فإني برغم العاصفات التي ترى |
أُقاسي رُكوداً لا يَليق بشاعر
|
رجعتُ لنفسي أستثيرُ اهتمامَها |
وأُلزِمُها ذنبَ الصريح المجاهر
|
وأُثقلها بالعَتْب أن كان لي غنى |
عن الشرِّ لولا حبُّها للمَخاطر
|
وساءلتُها عما تُريد من التي |
تُرشِّحها للمُهلكات الجوائر
|
أأنتِ بعَورات النفوس زعيمةٌ |
مُوَكَّلة عنها بِعَدِّ الجرائر
|
وما أنتِ والغرمَ الذي راح مَغنَماً |
لقد غامر الاقوامُ فيه فغامري
|
خذي وِجهةً في العيش يُرضيك غيُّها |
ولا تستطيبي منه قِعدَة خائر
|
وإن شذوذاً أن تُثيري وتصدَعي |
شَذاةَ مُحيط بالمدجاة زاخر
|
وأحسن مما تدَّعين صلابةً |
سماحُ المحابي وانتهازُ المساير |