بعْد الثَّمانِينَ خَبَتْ جَذْوتي |
وآدَني السُّقْمُ. وطاب الرَّحيلْ!
|
بعد الثمانين أَبَتْ صَبْوَتي |
إلاَّ انْحساراً عن جبيني الأَثِيلْ!
|
إلاَّ ابْتِعاداً عن هوًى قاتِلٍ |
يَرْمِي به ثَغْرٌ وطَرْفٌ كحِيلْ!
|
عِشْتُ حَياتي مُصْغياً لِلْهوى |
فَكانَ لي –أُوّاهِ بِئْسَ الدَّليلْ!
|
كنْتُ حُساماً مُنْتَضًى فاخْتَفى |
بِغِمْدِه ما إنْ له من صَلِيلْ!
|
* * *
|
عَهْدُ الصَّبا وَلَّى. ومِن بَعْدِه |
وَلىَّ شبابي راكِضاً من السَّبيلْ!
|
يا لَيْتَني كنْتُ تَوَقَّيْتُهُ |
هذا الهوى. هذا الضَّلالُ الوبيلْ!
|
ما كنْتُ أَدْرِي أْنَّني سابِحٌ |
في حَمْأَةٍ أَحْسَبُها السَّلْسَبيلْ!
|
لكنَّها كانَتْ فَفرَّتْ وما |
أضَلَّنِي بالخادِعِ المُسْتَطِيلْ!
|
كانتْ حُساماً فَوْقَ رأْسي إذا |
عَصَيْتُه كنْتُ الصَّرِيعَ القَتِيلْ!
|
وَيْلي من الرَّمْضاءِ هَلاَّ اسْتَوَتْ |
رِجْلايَ منها بالخَمِيلِ الظَّلِيلْ؟!
|
لكِنَّني كنْتُ الفَتى سادِراً |
في الغَيِّ يروى من قَذاةِ الغَلِيلْ!
|
يَلُومُني الصَّحْبُ فما أَرْعَوِي.. |
بل أَسْتَوِي مُنْتَشِياً بالصَّهِيلْ!
|
* * *
|
أَشْعُرُ مِن بعد المَشِيبِ الذي |
أنَهكَني.. أَشْعُرُ أَنِّي العلِيلْ!
|
عَلِيلُ جِسْمٍ راعِشٍ يَنْحَنِي |
على عَصاهُ. في الضُّحى والأَصِيلْ!
|
يَنْشِجُ في صَمْتٍ لِئَلاَّ يرَى |
منه الوَرى الدَّمْعَ. ويُخْفي العَوِيلْ!
|
* * *
|
وَيْلي من النَّارِ الَّتي اكْتَوَى |
بها. ومن شجوى وسُهدي الطَّويلْ!
|
ومِن ضَمِيرٍ لم أُطِعْ نُصْحَهُ |
كأَنَّما يَطْلُبني المُسْتَحِيلْ!
|
يَخِزُني وخْزاً تسيل الحشا |
به دَماً يجري. وما من مُقِيلْ!
|
فيا لَعِصْيانٍ مَضى يَبْتَلي.. |
حاضِرَهُ منه بِهَمٍّ ثَقِيلْ!
|
أَيا ضَمِيري.. إنَّني نادِمٌ |
فيا لِعِزٍّ يَشْتَهِيهِ الذَّلِيلْ!
|
قد كنْتُ بُوماً ناعِباً من الدُّجى |
فكيف أَشْدُو في الضُّحَى بالهَدِيلْ؟!
|
والشِّعْرُ كم أَرْسَلْتُهُ شادِياً |
فَصاغَ دُرّاً في الأَثيث الأَسِيلْ!
|
من الحَوَرِ السَّاجي يُذِيبُ الحَشا |
والقَدِّ يختال طَرِيداً.. نَحِيلْ!
|
وكادني الحبُّ كما كِدْتُهُ |
ورُبَّما بَزَّ النَّشِيطَ الكَليلْ
|
بالشِّعْرِ كنْتُ الشَّامِخَ المُعْتَلِي |
الكاسِب الحَرْبَ بِسَيْفٍ صَقِيلْ!
|
كم دانَ لي الحُسْنُ فأكْرَمْتُهُ |
من بَعْد أَنْ دانْ. وكان البَخِيلْ!
|
ذلك عَهْدٌ كنْتُ ذا مِرَّةٍ |
به. ولم يَبْق لها من قَلِيلْ!
|
كم أتَمنىَّ أنَّها لم تَكُنْ |
وأنَّني كنْتُ الضَّعيفَ الهَزِيلْ!
|
فقد يكونُ الضَّعْفُ لي عِصْمَةً |
من جَنَفٍ كنْتُ به أَسْتَطِيلْ!
|
واليَوْمَ إنَّي هَيْكَلٌ راعِشٌ |
يَبِسُهُ راحَ. وراحَ البَلِيلَ!
|
يَدِبُّ.. يَسْتَنْشِقُ بَعْضَ الشَّذا |
من رَوْضِهِ الذاوِي ورَطْب النَّجيلْ!
|
مِنْ بَعْدِ أَنْ كانَ كثيرَ النَّدى |
بالثَّمَرِ الحالِي.. زاهي النَّخِيلْ!
|
* * *
|
أسْتَغْفِرُ الله. وأرجو الهُدى |
منه يُوافِيني بِصَفْحٍ جَمِيلْ!
|
هُناكَ ما أَجْمَلَ تِلْكَ الصُّوى |
تَهْدِي. وما أَسْعَدَ فيها النَّزِيلْ!
|
ويا أُهَيْلي ورِفاقي الأُلى |
كانوا هَوايَ المُسْتطابَ الحَفِيلْ!
|
من كانَ مِنهُمُ لم يَزَلْ بالحِمى |
يَزِينُه.. يَشْرُفُ منه القَبِيلْ!
|
ومَن تَناءى. فهو في دارِهِ |
تِلْكَ التي تُكْرِمُهُ بالجَزِيلْ!
|
كم طَوَّقُوني بالمُنى حُلْوَةٌ |
وبالرُّؤى رفَّافَةً تَسْتَمِيلْ!
|
وكنْتُ لا أَشْكو الوَنى مَرَّةً |
إلاَّ وجاءوا بالمُثِيبِ. المُنيلْ!
|
أَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ لِلْمُنتَأي |
وأَنْشُدُ النُّعْمى لباقي الرَّعِيلْ!
|
وارْتَجي الغُفْران مِنْهُم على.. |
ما كانَ مِنِّي قَبْلَ يَوْمِ الرّحَيلْ! |