في رثاء الشاعر حسين سرحان
|
أسيلوا عليه الدمعَ.. فهوَ بهِ أجْدَى |
ولا تَذْخرُوا شكراً.. ولا تذْخروا حَمْدا
|
فقدْ كان ذا فضْلٍ.. وقد كان ذا هُدىً |
يُفيضان للعافين من رَبْعِه رفْدا
|
ولا قوْلَ إلاّ هدْيُه مترسِّلاً |
ولا فعْل إلا رُشْدُهُ الجَمُّ.. مُمْتدّاً
|
وقدْ كان لا يَسْتشعرُ الفخْرَ بيننا |
ولكنّه يستشعرُ الحبَّ والزُّهْدا
|
ويُغْضِي عن الذمِّ اللئيمِ. ولا يَرى |
لصاحبه الجاني عليه به حقْدا!
|
* * *
|
أأَحمدُ.. كنتَ الرّوضَ فينا.. ثمارُه |
وأزهارُه كانت لنا النّفْحَ والرّغْدا
|
فَصوَّحَ هذا الرّوْضُ.. جَفَّ نَميرُه |
فلمْ نَلْقَ طعْماً لذّ فِيهِ ولا وِرْدا
|
لقد كنتَ فيه بُلبلاً مُتَفَرِّداً.. |
بأَنْغامِه يُشْجِي بها المجْدَ والوَجْدا
|
فأجْدبَ هذا الرّوْضُ بَعْدكَ باكياً |
على طيرهِ الشادِي الذي سكَنَ اللّحْدا
|
ونحْنُ كمِثْلِ الطّيْرِ نشكُو فِراقَهُ |
حنيناً إليهِ.. في المَراحِ وفي المَغْدَى
|
ونَذْكُرُه فينا شَذىً متضوِّعاً |
يفوحُ.. فيَسْتَهْدِي به السائرُ القَصْدا
|
وما كان إلاُ الرُّمْدُ مَنْ لا يَرَوْنَهُ |
ضياءً.. فما أشقى بإنْكارِه الرُّمْدا
|
ترفَّعَ عن نَهْجِ الغُواةِ تزهُّداً |
ولم يَتَنفَّجْ كبرياءً ولا كَيْدا
|
فإنْ قلْتُ فِكْراً. فهو فيهِ محلّقٌ |
وإن قلْت حِسّاً. فارْقُبِ الجَزْرَ والمَدَّا
|
هُما كِفَّتا فِكْرٍ وحِسٍّ تهَاطَلا |
بغَيْثٍ.. حَمِدْنا قَبْلَه البَرْقَ والرّعْدا
|
وهل تُنْبِتُ الآلاءَ إلاّ هَوَاطِلٌ |
عَمَتْ نَحْسَنا عنَّا وأبْدتْ لنا السَّعْدا!
|
* * *
|
أَأَحْمَدُ.. يا رُبَّ امْرِىءٍ مُتميِّزٍ |
يُنَوِّرُ لحْداً مِثْلَما يُطْرِبُ المَهْدا
|
وقَدْ كُنْتَهُ شيخاً.. وقَدْ كُنْتَهُ فَتًى |
فَمَا أَكْرَمَ المَثْوى. وما أكْرَمَ الخُلْدا
|
عسَاني إذا ما شاءَ رّي تباركَتْ |
آيادِيه.. كم أَجْدَى علينا. وكم أسْدَى
|
رَحِيليَ.. أنْ أَلْقى لديه فواضلاً |
وإن كنتُ لم أرْعَ الذّمامَ ولا العَهْدا
|
وأَنْ أَتَلاقَى والكرامَ من الأُلَى |
تسارَعْنَ قبلي للرّحيلِ الذي أَرْدى
|
فكم أَشْتَهِي. والدمعُ يذرفُ والمُنَى |
تُجاذِبُني شوقاً.. وتُخْلِفُنِي الوَعْدا
|
لِقائِي بهِمْ في مَوْطِن الخُلْدِ.. لا أَسىً |
بهِ أو وَنىً يُضْنِي المساعيَ والجهْدا
|
ترقَّبْتُهُ يوماً فيَوْماً.. فَلَمْ يَفىءْ |
إِليَّ.. ولكنْ سامَني النَأي والصَدَّا
|
ووَلَّى وأَبقى الهَشَّ.. ما يَسْتويَ بِهِ |
وقَدْ لانَ –عُودِي لَيْتَه تركَ الصَّلْدا
|
فَعُدْتُ وما أقْوى على السّيرِ قابعاً |
بِدارِي. فلا جَذْباً أطيقُ ولا شَدَّا
|
وعُدْتُ وفي حَلْقي من الصّابِ غصّةٌ |
وفي مُهْجَتي من بَعْدِ ما طَعِما.. شُهْدا
|
مَتَى يَجْتَوِ المَرْءُ الحياةَ يَجِدْ بها |
مَرَازِىءَ تُنْسِيه المباسِمَ والنَّهْدا
|
وكيْفَ.. وقد أَصْلَى الفِراقُ بِنَارِه |
حناياهُ.. حتَّى ما يطيقُ لهُ وَقْدا
|
وقد خانَهُ حِسٌّ.. وقد خانَهُ حِجًى |
فلمْ يُبْقِيا حَيْلاً ولمْ يٌبْقِيا رُشْدا
|
وكان له رَهْطٌ نِدادٌ.. فلم يَعُدْ |
له مثلهمْ. فهوَ الذي افْتقَدَ النِّدا
|
كمَا افْتقَدَ اللَّذْوَى. كما افْتقَدَ الكَرَى |
بشَيْخُوخَةٍ تَطْوِي المواجعَ والسُّهْدا!
|
* * *
|
سَلامٌ على الدّنيا.. سَلامُ مُودِّعٍ |
تطلَّعَ للأُخْرَى. لمَوْلاهُ واسْتَجْدَى
|
على أنَّهُ ما كان في مَيْعَةِ الصِّبا |
صبُوراً على رَيْب الزمان ولا جَلْدا
|
عساهُ بعَفْوٍ منه يَنْجُو من اللَّظَى |
فما أكْرم المَوْلى وما أَفْقَرَ العَبْدَا!! |