بيني وبين الحادثات خصام |
فيما جَنَتْهُ على العلا الأيَّام |
كسفت هلالَ سمائِها من بعدما |
وافاه من كرم الجلال تمام |
ورمتْ قضيبَ رياضها بتقصفٍ |
غضّاً سقاه من الشباب غمام |
فاليوم بستان المكارم ما حل |
واليوم نور المعلومات ظلام |
رامت صروفُ الحادثات فأدركت |
مَنْ كان لم يبعدْ عليه مرام |
أودت بمهجته الليالي بعد ما |
فخرت به الأسياف والأقلام |
وغدا وراح المجد ذا ثقة به |
أن يردعَ الأحداثَ وهي جسام |
وبدتْ عليه من حلاهُ شمائلٌ |
لا تهتدي لنعومتها الأوهام |
بين الكرى المعهودِ والأجفان |
كالروضِ لما دبّجتُهُ غمامة |
والمسك لما فضّ عنه ختام |
ناحت عليه الشهب وهي عرائس |
وبكى عليه الغيمُ وهوَ جهام |
وکنجابَ ظلُّ الأنسِ فهو مقلَّصٌ |
وامتدَّ ليلُ الخطب فهو تمام |
حتى استوى الإشراقُ والاظلام |
ما للمدامع لا يطل يها الثرى |
والسادة الكبراء فيه نيام |
أكذا يباد حلاحل ومهذّب |
أكذا ينال مسوّد وهمام |
تعس الزمان فإنما أيامه |
ومقامنا في ظلِّها أحلام |
لنرى الديارَ وهنّ بعد أنيسها |
دُرُسُ المعالمِ والجسومُ رِمام |
والنسرُ مقَتَنصٌ بأشراكِ الرَّدى |
وبناتُ نعشٍ في الدجى أيتام |
بأبي قتيلٌ قاتلٌ حُسْنَ العزا |
مذ أقصدته من المنونِ سهام |
غدرت به أم اللهيم وطالما |
فلّ الخميس المجر وهو لهام |
وأبى له إلا الشهادة ربُه |
ومضاؤُهُ والبأسُ والإقدام |
فتك الردى بأبي شجاع فتكة |
زلّت لها رضوى وخرّ شمام |
فقدت لها الألباب والأحساب وال |
آداب والإسراج والالجام |
ندبته أبكارُ الحروبِ وعونها |
وبكاه حزب الله والإسلام |
أيُّ السيوفِ قضى عليه وبينه |
قدماً وبين ظبا السيوف ذمام |
|
ما قطّ أودع في الضريح حسام |
ما كان إلا التبر أخلص سبكه |
فاسْتَرَجَعَتْهُ تربة ٌ ورغام |
يا حامليه قِفوا عليه وقفة ً |
يشفى بها قبل الوداع هيام |
رُدُّوا وليَّ اللَّه حتى يُشْتَفى |
من أروع شفيت به الآلام |
ردّوا الشهيد نسقه من أدمع |
ان أخلفت مزن بهنّ رهام |
لاتسلموه إلى الثرى فلسيفه |
مذكان من أعدائه استسلام |
ولتدفنوه في الجوانح والحشا |
إن كان يُرضيه هناك مَقام |
واستنشقوا لثنائه عرفاً به |
ينحط عن نفس الصباح لثام |
ما ضمّه بطن الثرى إلا وقد |
ضمّته في دار النعيم خيام |
صلى عليه ما ثنت الصبا |
غصناً وما غنّت عليه حمام |
يا عينُ شأنك والمدامعَ فاسمحي |
ولتعلمي أن الهجوع حرام |
إن الذي كان الرجاءُ مشيّداً |
اعزز علي يزهرة مطلولة |
أمست ولا غير الضريح كمام |
اعزز عليّ بمن يعز على العلا |
إن غيل قَسْوَرُ غيلها الضرغام |
إن كان أفنته الحروب فشدّ ما |
فنيت بِمُنْصُلِهِ الطلى والهام |
أو راح مهجور الفناء فطالما |
هجرت به أرواحها الأجسام |
أمضرَّجٌ بدمائه هي ميتة |
وَقْفٌ عليها السيد القمقام |
البأسُ والاقدام أوردكَ الردى |
أن كان أنجى غيرَك الإحجام |
قد كنتَ في ذاك المقام مخيَّراً |
لكن ثبتّ وزلّت الأقدام |
لم يلف فيه سوى الفرار أو الردى |
فاخترت صرف الموت وهو زؤام |
وأبتْ لك الذمَّ المكارمُ والعلا |
والسمهري اللدن والصمصام |
الليل بعدك سرمد لا ينقضي |
فكأنما ساعاته أعوام |
والأنْسُ غَمٌّ والسرورُ كآبة ٌ |
لمن اطّرحت المجد وهو كأنه |
طلل تعفّيه صباً وغمام |
ولمن تركتَ الصافناتِ كأنَّها |
موسومة باللؤم وهي كرام |
زَفَرَتْ لموتِ أبي شجاعٍ زفرة ً |
لم يبق ساعتها لهنّ حزام |
عمَّتْ رزيّتُهُ القلوبَ فكلُّها |
كاس وأنواع المدام حمام |
كَثُرَ العويلُ عليه بعد نعيِّه |
حتى كأنَّ العالمين حمام |
وحكتْ دموعَ الغانياتِ عقودُها |
لو لم يكن لعقودهن نظام |
يا حاملينَ النعشَ أين جيادُهُ |
يا ملبسيه التربَ أين اللام |
أينَ السماحة ُ والفصاحة ُ والنهى |
منه وأين الجود والإكرام |
أضحى لعمرُ اللَّه دونَ جلاله |
سترٌ من الأجداث ليس يرام |
أأبا شجاعٍ إنْ حُجِبْتَ بربوة ٍ |
فالزهر منبته ربى ً وأكام |
قم تبصر الخفرات حولك حسراً |
- لو كان يمكنه الغداة قيام - |
واسمع عويل بكائها فلقد بكت |
لبكائها الأصواء والأعلام |
ضجّتْ لمصرعكَ النوادبُ ضجَّة ً |
سدّت مسامعها لها الأيام |
ولقد عهدتك كوكباً أبراحه |
جُرْدُ المذاكي والسماءُ قتام |
وعهدت سيفك جدولاً في ورده |
يوم الكريهة للنفوس هيام |
فابشر فدار الخلد منك بموعد |
واهنأ ففيها غبطة ٌ ودوام |
مرّ الغمام على ثراك محيّياً |
فعلى الغمام تحيّة وسلام |