لقد أعقبتْ بالبؤسِ منك وبالنعمى |
و أصبحَ طرفاً لا أراكَ بهِ أعمى |
سُقيتَ الحيا من ظاعنِ الثُّكلِ قد ثوى |
و أبقى ربوعَ المجدِ موحشة ً عتما |
وقد كنتُ أُمضيهِ على الخطبِ مُنْصُلاً |
وآوي لَهُ ركناً، وأسري بِهِ نجما |
ترحل لما أن تكاملَ مجدهُ |
ولَيْس كسوفُ البدرِ إلاّ إذا تمّا |
لقد عاشَ رغماً للحواسدِ والعدا |
و ماتَ على أنفِ الندى والهدى رغما |
و كانتْ ليالي العيشِ بيضاً بقربهِ |
فقد أصبحَتْ أيامنا بعده دُهما |
و قد كان يعطي السيفَ في الروعِ حقه |
و يرضى إذا أرواهُ في الشركِ أن يظما |
وَيُضحِكُ ثَغْرَ النصرِ في كلِّ معركٍ |
يُرى وسطَهُ وَجْهُ الردى عابساً جهما |
و كان إذا الأمجادُ ظنوا نوالهمْ |
لمستمنحٍ غرماً ، رأى بذلهُ غنما |
إذا بخلوا أعطى وإن أحجموا مضى |
وإن أصلدوا أورى ونار عما |
ألا فَأْتيا بطحاءَ لبلة فانْدبا |
بها مصرعاً غالَ الشجاعة َ والحِلما |
وأجْوَدها تَنْدى الصِّلادُ غضارة ً |
بهِ ويفوحُ التربُ مسكاً إذا شما |
وما عذرُ أرضٍ أُشربَتْهُ فأنبتَتْ |
نباتاً ولمْ تنبتْ ذكاءً ولا حزما |
بني فاخرٍ أمسيتمُ يومَ فقدهِ |
كأنجمِ أفقٍ فارقتْ بدرها التما |
ذهبتَ أبا الحجّاج لَمْ تُبْقِ ذلّة ً |
و أبقيتَ فينا المجدَ والسؤددَ الضخما |
فرزؤكَ قَدْ عَمَّ البريّة َ كلَّهُمْ |
كما كانَ فيهمْ جودُ يمناكَ قد عما |
فكم حلَّ في أحشائِهِمْ منكَ مِنْ جوًى |
وكم حلَّ فيأيديهمُ لكَ من نُعمى |
و خلفتَ ثكلى لا تكفُّ جفونها |
بكاءً ولا تَنْدَى جوانِحُها غَمّا |
تنوحُ لها الأطيارُ في القضبِ رقة ً |
و يذري عليها المزنُ أدمعه رحما |
عَلَيْكَ سلامُ اللَّه الردى |
وما دامَ فِيكَ الدمعُ دونَ العزا خصما |
و لاحَ أصيلُ اليومِ بعدك شاحباً |
و ريحُ الصبا معتلة ً تشتكي السقما |