ذُدْ عن مواردِ أدْمُعي طيرَ الكرى |
وأعِدْ بنارِ الوجدِ ليلِيَ نيّرا |
وأصِخْ وطارِحني الشجونَ وغنّني |
بهمُ ونازعني أفاويق السُّرَى |
ريحانها ذكرى حبيبٍ لم يزلْ |
راحي بِهِ دمعاً وكاسي محجرا |
سلب الثريا في البعاد محلها |
و أعارَ جفني نوءها المستفزرا |
لا تَعْجَبوا إن غابَ عَنِّي شَخصُهُ |
وخَيَالُهُ في أضْلُعي مُتَقَرِّرا |
هذا أبو عثمانَ خيم قدرهُ |
في النيراتِ وشخصهُ بين الورى |
الكوثريُّ إذا همى ، والكوكبيُّ |
إذا سما ، والمنصليُّ إذا فرى |
ملكٌ تسنّمَ من قُريشٍ ذروة ً |
من أجْلِها تُدْعى الأعالي بالذُّرى |
حسبٌ يجرُّ على المجرة ِ ذيله |
و مناقبٌ تذرُ الثريا كالثرى |
يسعى السُّهى أنْ يغتدي كصغيرها |
و يعذرُ الدبران عنها مدبرا |
عالي مَنارِ العِلْمِ لَوْ أنَّ الهُدى |
شخصٌ لَكَانَ لشَخْصِهِ متصوّرا |
ومُبارَكُ الآثارِ لَوْ وطىء َ الصَّفا |
لجرى بمنهلِّ النّدى وتَفَجّرا |
أو مَسَّ عُوداً ذابِلاً ببنانِهِ |
مساً لأورق في يديهِ ونورا |
خُصّتْ بِهِ منورقَة ٌ وسَناؤهُ |
قدْ نورَ الآفاقَ حتى أقمرا |
كالشمسِ مطلَعُها السماءُ وضوءُها |
قَدْ عمَّ أقطارَ البسيطَة ِ أنؤُرا |
كذبَ المشبِّهُ بالنجومِ ضياءَه |
و سناءه وذكاءه المتسعرا |
لو كان عند النجمِ بعضُ خصالهِ |
ما كان في رأي العيونِ ليصغرا |
ملكُ السّجايا لو يحلُّ بمنزلٍ |
بينَ النجوم الزهرِ كانَ مؤمرا |
العالِمُ البطلُ الذي ما أنْفَكَّ في |
حالٍ يخطُّ دجى ويرفعُ عثيرا |
لَمْ أدرِ قبلَ هباتِهِ وكَلامِهِ |
أنَّ الفراتَ العذبَ يُعطي الجوهرا |
ندبٌ إذا أعطى الكرامُ ليحمدوا |
أعطى كرائمَ مالِهِ كي يُعْذَرا |
لما تكررَ كلَّ حينٍ حمدهُ |
نسيَ الورى ثقلَ الحديثِ مكررا |
أضْحى بَنو حكم وقد علم الضُّحى |
مذ أسفروا أنْ ليس يُدْعى مُسْفِرا |
قومٌ إذا ركبوا الخيولَ حسبتها |
عقبانَ جوٍّ حْمّلَت أُسْدَ الشَّرى |
أو شمتَ مُسْبَغَة َ الدروعِ عليهمُ |
أبصرْتَ أنهاراً تضمُّ الأبحرا |
لو مَثَّلَتْ لهمُ المَنايا في الوغَى |
أقرانَهُمْ لم تلقَ مِنهم مُدبرا |
جمعتْ مآثرُ منْ سواهمْ فيهمُ |
جمعاً كمثل العامِ ضمَّ الأشهرا |
نفرٌ لو أنكَ لم تكنْ من عزهمْ |
في عسكرٍ جهَّزْتَ عزمَكَ عَسكرا |
قَدْ كانَ قبلَ الأمرِ أمرُكَ صادعاً |
والفعلُ يعملُ ظاهِراً ومقدَّرا |
آياتُ عيسى في يديك وإنما |
ماتَ الهدى وبحسنِ رأيك أنشرا |
حاربتَ حزبَ الشركِ عنهُ بالحجى |
والرفقُ مثلُ البطشِ يقصمُ أظهُرا |
و طعنتهمْ بالمكرماتِ وباللها |
في حيثُ لو طَعَنَ القنا لتكسَّرا |
قد تجهلُ السمرُ الطوالُ مقاتلاً |
تلقى بها الصُّفْرَ القصيرَة َ أبْصَرا |
و تصححُ الآراءُ والراياتُ قدْ |
نكصتْ على الأعقابِ واهية ِ العرى |
إن خابَ غيركَ وهوَ أكثر ناصراً |
وبقيتَ للإسلامِ وحدكَ مظهرا |
فالبحرُ لا يروي بكثرة ِ مائهِ |
ظمأً ورُبَّ غمامة ٍ تروي الثرى |
الغيثُ أنْتَ بل أنْتَ أعذبُ شيمة ً |
و أعمُّ إحساناً وأعظمُ عنصرا |
و المزنُ يهمي باكياً متهجماً |
أبداً وتهمي ضاحكاً مسبشرا |
و الشمسُ مرمدة ٌ ونوركَ لو جرى |
في مقلتَيْ أعمى لأصبَحَ مُبصرا |
حَسّنْتَ قُبْحَ الدهرِ حتى خلتُهُ |
ذَنْباً وخلتُكَ عُذْرَه المستغفرا |
و وهبتَ لا مسترجعاً ، وحكمتَ لا |
مُتَنَطِّعاً، وعَلَوْتَ لا مُتَجبِّرا |
فالملكُ منك خصيبُ أشجارِ المنى |
يقظانُ عينِ السَّعْدِ مشدودُ العُرى |
هو مفرقٌ في السلمِ يلبسُ منكمُ |
تاجاً وفي حربِ الحوادثِ مغفرا |
يا بحرُ جاورتَ البحارَ لعلة ٍ |
حازَتْ لها الفخرَ المياهُ على الثَّرى |
وأراكَ لم ترضَ البسيطَة َ ساحِلاً |
فجعلتَ ساحِلَك الخِضمَّ الأخضرَا |
بحرٌ أجاجٌ حالكٌ أدى إلى |
بحرٍ حلا وِرْداً وأشرقَ مَنظرا |
تُهدي رياحُ الحمدِ عَنْكَ المسكَ إن |
أهدتْ رياحُ الأفقِ عنهُ العنبرا |
خُذها تُنيفُ على الجمانِ مفصَّلاً |
و الزهرِ غضاً ، والرداء محبرا |
روضاً تغنَّتْ من ثنائك وَسْطَهُ |
وُرْقٌ جَعَلْنَ غُصونَهُنَّ الأسطرا |
لما طغى فرعونُ دهري عاتياً |
شقّتْ عَصا شعري بَنانَكَ أبْحُرا |
ما إن أُبالي حيثُ كنتمْ وجهتي |
أنّي أُفارقُ موطناً أو مَعْشَرا |
إذ عصركم كلُّ الزمانِ وأفقكمْ |
كلُّ البلادِ وشخصكمْ كلُّ الورى |
ينسي الوفودَ سماحكم أوطانهمْ |
وكذاك طِيبُ الوِردِ يُنْسي المصدرا |
لم أرعِ تأميلي حمى لكمُ ولا |
يَمّمْتُ مَغناكُم محلاًّ مُقْفِرا |
إنْ كان عُمْرُ المرءِ حُسْنَ ثنائِهِ |
فاعلمْ بأنكَ لنْ تزالَ معمرا |
أذكى عليَّ الدهرُ خطوبهِ |
فبثَثْتُ فِيها من مديحِكَ عَنْبرا |
رفعتْ عواملهْ وأحسبُ رتبتي |
بنيتْ على خفضٍ فلن تتغيرا |
دمْ للأنامِ فلوْ على قدرِ العلا |
بقيتْ حياتهم خلدتَ معمرا |
واسلَمْ تنيرُ دجًى ، وتُخصبُ مجدباً |
و تبيدُ جباراً ، وتغني مقترا |